سجن النساء بمنوبة: عقد زواج خلف القضبان والعريس ينشد العفو عن عروسته ...
بدموع حاولت اخفاءها حتى لا تفر من مقلتيها وتلطخ معالم الزينة على وجهها امسكت السجينة "ن م " ريشة الحبر التي مكنها منها عدل الاشهاد لتمضي عقد قرانها ...
رددت "ن" وقد تحلت بلباسها التقليدي التونسي وزينتها البهية بالحناء والحرقوس والوان "الماكياج" التي جملتها بها سجينات متكونات بورشة الحلاقة بسجن النساء بمنوبة، عبارات القبول والايجاب لتعلن قبول الارتباط بابن حيها وخطيبها منذ تسع سنوات "منصور خ" الذي ابدى بدوره فرحة عارمة عند ترديده نفس العبارات وقبوله الاقتران بها ولو كان الزواج سيظل مؤجلا وقد يتطلب الانتظار مدة أربع سنوات اخرى تتطلبها مدة عقوبتها.
وباحرف مبعثرة وابتسامة خفيفة ونظرة أمل نحو عريسها، دونت اسمها اسفل العقد لكأنما لا توقع مجرد عقد زواج، وإنما تكتب فصلا مشرقا من كتاب حياتها الغارق في المعاناة وفي غياهب السجن وجدرانه الصماء.
فصل جديد مفعم بالأمل والتفاؤل وحلم ساعدتها في تحقيقه ادارة سجن النساء بمنوبة والادارة العامة للسجون والاصلاح وشاركها فيه بقية السجينات واطارات واعوان السجن الذين أفعموا الفضاء بصخب جميل امتزجت فيه الزغاريد والتصفيق وعبق المكان بروائح البخور وبدندنة فرقة "عطر المدينة" الموسيقية بمجموعة من اغاني الحفلات التونسية فحجبت لحين مشاهد الزنازين والقضبان وعطلت مشاعر الحرمان من الحرية.
عبّرت السجينة العروس ذات ال 28 عاما عن فرحتها العارمة بتحقيق حلمها وبعقد قرانها وتتويج علاقتها بابن الجيران بالارتباط الفعلي فلم تثنيهما القضبان ولا المسافات ومشاعر البعد التي عانيا منها منذ أكثر من عام ونصف بعد سجنها من اجل تهمة حق عام، عن تتويج حب صادق لم تهزمه الشدائد ولم تكسره نظرة المجتمع ليرسما قصة إرادة حياة لم تستطع حصارها القضبان.
تقول "ن" ان عريسها منصور ظل رغم الحكم عليها بخمس سنوات رفيق دربها وسندها الوحيد في محنتها خاصة ان عائلتها من ضعاف الحال وقد صدموا بسبب ما حدث معها وانتهى بها خلف القضبان سجينة. وتضيف انه لم يتخل عنها رغم الظروف البائسة ونظرة المجتمع القاسية للشابة السجينة بسبب زلة قدم.
وبمشاعر متوثبة ظمأى للفرح قبل الشاب (من مواليد 1974)، جبين عروسه فور اشهار عقد القران من قبل عدل الاشهاد... تبادل معها شرب كاس المشروبات وتناول قطعة المرطبات قبل أن يروي حكاية "زواج في الزنزانة"، قال منصور "ربطتنا مشاعر قوية منذ سنوات وربما هذه اول محنة تواجهنا وكادت تعصف بحلمنا لكن لن نستسلم امامها مهما قال الناس او تعسف علينا المجتمع".
وأضاف يبدي إصرارا قوله "نحن على الطريق السليم لم أتخل عن خطيبتي منذ سجنها وقمت بهذه الخطوة القانونية حتى أتمكن من رؤيتها بصفة دورية كزوج وتوفير مكل ما تحتاجه مباشرة ودون حواجز او قيود او سؤال عن هويته ونوعية قرابته".
رفع العريس نداء الى وزير العدل وكافة المصالح المعنية للعفو عن زوجته "بإيقاف التنفيذ" وتسريحها، معتبرا ان عقد قرانهما هو بداية جديدة لمستقبل يامل ان لا تتعثر فيه وألا تواجه مصاعب واشواكا وان التزامهما بهذا العهد رغبة صريحة في غد افضل وان ما اقدما عليه من تحد قد يغفر ما سبق ويؤسس لنظرة جديدة للشابة او المراة السجينة التي عادة ما تنبذها العائلة ويلفظها المجتمع
(وات)
كاتب المقال غازي الدريدي